حقوق الإنسان الأسس الفلسفية ومشاكل التطبيق

حقوق الإنسان الأسس الفلسفية ومشاكل التطبيق


حقوق_الانسان_الاساس_الفلسفي_مشاكل_التطبيق
حقوق-الانسان-الاسس-الفلسفية-مشاكل-التطبيق
         ارتبطت حقوق الانسان عبر التاريخ بالرغبة في التحرر وتمجيد الكرامة الانسانية واعادة الاعتبار للذات، وتأسست حقوق الانسان على أسس فلسفية تهدف الى تجاوز كل انواع الاستغلال والاستعباد والاحتقار والتمييز، ويسعى نحو توفير شروط المساواة والعدالة وضمان كرامة الانسان. غير أن حقوق الانسان ظلت تواجه مشاكل التطبيق في الواقع بسبب الانتهاكات الخطيرة والاعتداءات الناتجة عن الاستعمار والاستغلال والتمييز العرقي والطائفي والديني وبسبب بعض التقاليد والمعتقدات التي ترسخ التمييز وتدعو الى التطرف، وبسبب العنف والصراع والحروب. ونظرا لغياب الوعي بالحقوق الانسانية وانتشار الجهل والطمع فقد ظل الانسان عبر العصور يعتبر مسألة حقوق الانسان مجرد مطلب وطموح لم يتحول الى واقع فعلي في كثير من الدول واستمرت انتهاكات حقوق الانسان في كل العصور. لقد عملت الفلسفة عبر العصور على نشر ثقافة حقوق الانسان والدعوة الى احترام كرامة الانسان وتجنب كل اساليب التمييز والعنف، فجعلت الفلسفة من الطبيعة أساسا لحقوق الانسان، وحددت الحق الطبيعي ثم الحقوق المدنية المترتبة عن الاجتماع البشري والتعاقد الاجتماعي. وتطورت فكرة حقوق الانسان لتعرف اهتمامات وتفرعات كثيرة بحيث انتقلت من الحديث عن الحقوق الطبيعية للانسان والحقوق السياسية الى الحقوق الاقتصادية والحقوق الاجتماعية ( كالحق في العمل والحق في الحماية والامن الاجتماعي والحق في التعليم والحق في الاضراب ...) وظهرت تقسيمات جديدة لحقوق الانسان منها: حقوق الاقليات والحق في الاختلاف وحقوق البيئة وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق المعاق وحقوق المسنين وحقوق الحيوان...

الأسس الفلسفية لحقوق الانسان:

           ارتكزت حقوق الانسان على مجموعة من الأسس الفلسفية ينبثق بعضها من الطبيعة الانسانية بحيث يحدد الحقوق الطبيعية التي ترسخ فكرة المساواة والحرية والعدالة ويضمن الحقوق الاساسية في الوجود، بينما ينبع البعض الاخر من فكرة التعاقد الاجتماعي ويحدد الحقوق المدنية والمتمثلة في الحقوق الاجتماعية والحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية. ورغم التداخل الحاصل بين الحقوق بسبب التكامل بينها من جهة، وبسبب التشريع القانوني الذي لم يفصل بين الاسس الفلسفية المختلفة لكل نوع، فإننا سنحاول توضيح الاختلاف بينها كما يلي:

حقوق الانسان في التاريخ:

حقوق_الانسان
حقوق-الانسان
      ظلت فكرة حقوق الانسان موجودة عبر مسار التاريخ الانساني في كل الحضارات الانسانية، لقد ظل الانسان يطالب بحقوقه ويحاول الوصول اليها ويدافع عنها بطرق مختلفة في التاريخ، وتشير بعض الكتابات ان لكل حضارة صياغتها الخاصة عن بعض الحقوق التي يتم الاعتراف بها للانسان، لكن هذه الحقوق ترتبط في الغالب بعادات وتقاليد ومعتقدات المجتمعات، وتكون حقوقا خاصة ونسبية ومختلفة من مجتمع الى اخر. وتعد الفلسفة اليونانية نموذجا للاهتمام النسبي بالحقوق، إذ نجد لدى الفيلسوف أفلاطون واريسطو توضيحا لبعض الحقوق التي يتمتع بها المواطن اليوناني ولايستفيد منها الانسان الاجنبي ولا المرأة والعبيد. غير أن حقوق الانسان لم تظهر في شكل اعلان جامع وشامل للانسانية الا خلال القرن 18 الميلادي حيث ظهرت في البداية في امريكا بولاية فيرجينيا سنة 1776 تحت عنوان الاعلان عن الحقوق الانسانية وجاءت في اطار مطالبة أمريكا بتحررها من الاستعمار البريطاني، ثم ظهرت النسخة الفرنسية سنة 1789 تحت عنوان الاعلان عن حقوق الانسان والمواطن، ثم ظهرت النسخة العالمية التي اصدرتها الامم المتحدة سنة 1948 تحت عنوان الاعلان العالمي لحقوق الانسان. حيث كان الهدف هو نشر معاهدة الدفاع عن حقوق الانسان في كل الدول، غير أن كثير من الدول لازالت لم توافق على وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان او مازالت تتحفظ عن بعض بنوده.

الحقوق الطبيعية والحقوق الوضعية:

        اهتم الفلاسفة خلال القرن 17 الميلادي بالبحث في مسألة حقوق الانسان، وقد بدأ الاهتمام باعادة الاعتبار للذات الانسانية ابتداء من عصر النهضة الاوروبية خلال القرن 16م وخاصة مع الحركة الانسية (التي جعلت الانسان محور اهتمامها الفكري) وذلك بعد الاصلاح الديني الذي عرفته الكنيسة المسيحية، حيث ركز الفلاسفة على تحديد أساس مشترك للحقوق يضفي عليها طابعا كونيا، فجعلوا من الاساس الطبيعي دعامة مشتركة تتجاوز الاختلافات العرقية والدينية وتعلو على الاعراف والعادات والتقاليد الخاصة وتتجه نحو العالمية والكونية.
    
الحق_الطبيعي_حالة_الطبيعة
حالة-الطبيعة-الحق-الطبيعي
         انطلق فلاسفة القرن 17 الميلادي من فكرة حالة الطبيعة وهي حالة افتراضية (ليست تاريخية) تظهر الاصل المشترك والمتساوي لكل الناس، وتدل حالة الطبيعة على مرحلة سابقة عن تكوين الدولة والمجتمع المنظم، حيث كان الانسان يعيش داخل الطبيعة معتمدا على مبدأ القوة ومتمتعا بالحرية المطلقة. ورغم الاختلافات الجزئية الموجودة بين الفلاسفة بخصوص تصوير حالة الطبيعة خاصة بين جون جاك روسو وطوماس هوبز فإن فكرة حالة الطبيعة توضح الاساس المشترك الذي تنبثق منه الحقوق الطبيعية مثل الحق في الحياة والحق في الدفاع عن النفس والامان والمساواة والعدالة والحرية والملكية. وتهدف فكرة حالة الطبيعة الى قطع الطريق عن التمييز العنصري الموجود بين البشر بناء على اللون او العرق او الدين، كما تهدف الى الغاء فكرة التفضيل ذات الاصل الديني، وتعتبر أن كل انسان مساو لأخيه الانسان في الانسانية وأن الاختلافات الطبيعية تتجلى في القدرات فقط. وبسبب مبدأ القوة المنتشر في حالة الطبيعة والحرية المطلقة سيتجه الناس نحو الصراع نتيجة لتشابك المصالح وكثرة الطمع الانساني وظهور الملكية الفردية والميولات العدوانية، وهو الامر الذي سيجعل الانسان يصبح عدوا لأخيه الانسان بحيث يستغله ويستعبده. ومادامت حالة الطبيعة تتصف بغياب قانون او دولة تنظم العلاقات بين الناس، وأن المعيار الوحيد للبقاء هو القوة فإن كل انسان سيصبح ملزما للدخول في حرب وصراع مع الاخرين من اجل البقاء، وهذا الامر سيؤدي الى حرب شاملة او كما سماها هوبز ب "حرب الكل ضد الكل"، يستحيل معها تمتع الانسان بحياة هنيئة وعيش كريم، وهذا هو السبب الذي اجبر الناس على الانتقال الى مرحلة جديدة سماها الفلاسفة بالتعاقد الاجتماعي.

          يدل التعاقد الاجتماعي على اتفاق جميع افراد المجتمع على تكوين قانون ينظم العلاقة بين الناس وحكومة تسهر على تطبيق القانون. ويهدف التعاقد الاجتماعي الى تحديد دقيق للحقوق الوضعية بحيث يوضح الحقوق الاجتماعية والسياسية التي ينبغي ان يستفيد منها افراد المجتمع، ويفترض في التعاقد الاجماعي ان يحافظ على الحقوق الطبيعية للانسان. ويشكل التعاقد الاجتماعي أساسا للتنظيم السياسي بحيث يعتبر أن السلطة السياسية منبثقة من ارادة الشعب ومعبرة عن طموحاته ومطبقة لقوانينه، وذلك بهدف تجنب الاستبداد السياسي والقوانين الجائرة، فيكون الشعب هو صانع القرارات السياسية ومحدد القوانين التي تطبقها الحكومة. إن الحقوق الوضعية تعني أن الانسان يتفق في اطار اجتماعي على تحديد ما يراه حقا. ويتم صياغة هذه الحقوق في قوانين تصبح ملزمة للحكومة ولجميع افراد المجتمع. ويقصد بالحقوق الوضعية كل الحقوق ذات الطابع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي مثل الحق في العمل وحق الاضراب والحق في حرية التعبير والحق في التنقل والحق في التصويت والانتخاب والحق في المشاركة السياسية والحق في الانتاج الاقتصادي والحق في الملكية الفردية ...

         وتجدر الاشارة الى ان فكرة حالة الطبيعة وفكرة التعاقد الاجتماعي تجسد الايديولوجية البورجوازية في صراعها مع الارستوقراطية التي كانت تعتمد ايديولوجية دينية (مسيحية) تبرر بها التفضيل الذي تتمتع به طبقة الاغنياء والتمييز بينها وبين الفقراء. غير أن الطابع الايديولوجي تم اخفاؤه بدقة حيث تم اعتبار الحقوق المطالب بها حقوق انسانية وليست حقوق طبقة البورجوازية فقط.

حقوق الانسان ومشاكل التطبيق:

حقوق_الانسان_اللاجئين_المجاعة
حقوق-الانسان-مجاعة-اللاجئين
          تواجه حقوق الانسان مشاكل كثير أثناء التطبيق لعدة اسباب، فهناك كثير من الدول لم توافق على وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان او مازالت متحفظة على كثير من بنودها، وهذا الامر يجعل تلك الدول تمارس خروقات كثيرة لحقوق الانسان. كما أن كثير من الشعوب لازالت تعاني من مشاكل الجهل والامية، بحيث لا يعرف الانسان القوانين الدولية والحقوق، ورغم تعرض الكثير منهم لانتهاكات حقوقهم لايطالبون بها ولا يدافعون عنها. كما ان كثير من الحكومات لازالت تتصف بالاستبداد وتمارس التضليل ضد شعوبها، ونظام العدالة لايتصف بالحياد والاستقال عن السلطة المركزية لذلك غالبا ما تنتهك حقوق الانسان تحت درائع قانونية او في اطار مؤسسات قانونية. الى جانب ازدواجية المعايير التي تعتمدها كثير من الدول الغربية فهي تطبق القوانين في بلدانها وتدافع عن الحقوق والحريات لكنها تنتهك الحقوق وتخرق القوانين في الدول الاخرى. بالاضافة الى وجود الحروب والثورات والحروب الاهلية. الى جانب ضعف التأثير للأمم المتحدة والهيئات الدولية الاخرى المدافعة عن حقوق الانسان. والواقع أن تطبيق حقوق الانسان يواجه مشكلة اخرى ترتبط بالخصوصيات الثقافية للشعوب، فكثير من الشعوب لديها عادات وتقاليد او معتقدات تختلف او ترفض بعض بنود الاعلان العالمي لحقوق الانسان. ورغم المجهودات المتواصلة لبعض الجمعيات الحقوقية او المنظمات الحقوقية فإن تطبيق حقوق الانسان في الواقع الفعلي للشعوب لازال يواجه مشاكل كثيرة، فهناك كثير من الناس لا يستفيدون حتى من حقوقهم الطبيعية، كاللاجئين بسبب الحروب والمجازر والعنف والقمع السياسي، او بسبب الاستعمار وسرقات خيرات الشعوب، او المجاعات وتقلبات الظروف المناخية والفيضانات والاعاصير.
شاركه على جوجل بلس

الكاتب ziton

    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 comments:

إرسال تعليق