العقد الاجتماعي والسياسي

العقد الاجتماعي والسياسي

social_contract_political_contract
العقد-الاجتماعي-السياسي
          العقد الاجتماعي او التعاقد الاجتماعي هو منبع السلطة السياسية وأساس الدولة الحديثة واصل القوانين الوضعية، يدل العقد الاجتماعي على اتفاق بين جميع الافراد من اجل تكوين قانون ينظم العلاقة فيما بيهم واختيار حكومة تسهر على تطبيق القانون. ويعد العقد الاجتماعي أساسا فلسفيا لبناء الدولة الحديثة. كما يشكل العقد الاجتماعي تعبيرا عن الارادة العامة، ورغبتها في تأسيس مجتمع منظم وتحديد قواعد اخلاقية وقانونية وضعية معبرة عن ارادة الشعب ومستمدة من الاتفاق الاجتماعي. ظهر مصطلح التعاقد الاجتماعي خلال القرن 17 الميلادي على يد مجموعة من الفلاسفة ابرزهم جون لوك وطوماس هوبز ثم طوره جون جاك روسو خلال عصر الانوار في القرن 18 الميلادي في كتابه المشهور بنفس العنوان: "العقد الاجتماعي". 

      يعبر العقد الاجتماعي من الناحية الفلسفية عن محاولة ايجاد اساس جديد للسلطة السياسية، يناقض التصور الارستوقراطي الديني الذي كان سائدا في أوروبا خلال القرون الوسطى، والذي كان يبنى على أساس التفضيل الديني او التمييز العرقي ويعتمد الحكم الالهي. شكل التعاقد الاجتماعي تصورا جديدا للمجتمع والاخلاق والقانون والسياسة، بحيث أصبحت الارادة الاجتماعية منبع كل القيم الاخلاقية ومصدر كل القرارات السياسية والقواعد القانونية. وقد تأسس التعاقد الاجتماعي على فكرة حالة الطبيعة وما تميزت به من مشاكل وصراعات اجبرت الانسان على الانتقال الى مرحلة يؤسس فيها العقد الاجتماعي ليجد حلولا لمشاكل حالة الطبيعة، ويبدأ مرحلة المدنية.

حالة الطبيعة تأسيس فلسفي للعقد الاجتماعي:

natural_state_bruegel_fish
السمك-القوي-يأكل-الضعيف
           تعبر حالة الطبيعة عن مرحلة، افتراضية بالنسبة لبعض الفلاسفة وتاريخية واقعية بالنسبة للبعض الاخر، تميزت بتمتع الانسان بحرية مطلقة وباعتماد مبدأ القوة، واتصفت حالة الطبيعة بغياب قانون ودولة، فكان الانسان مطالب بتوفير حاجياته والدفاع عن نفسه من اجل البقاء. وقد اختلفت تصورات الفلاسفة بخصوص تصوير حالة الطبيعة. حيث اعتبر جون لوك ان حالة الطبيعة تعبر عن مرحلة واقعية وتاريخية تميزت باعتماد قانون القوة فكان حق الانسان يتساوى مع قوته. بينما اعتبر طوماس هوبز أن حالة الطبيعة مجرد افتراض فلسفي لايجاد اساس مشترك ومتساو والغاء التمييز والتفضيل الذي انتشر بين الناس بسبب المذاهب الدينية والتعصب العرقي. وقد بين طوماس هوبز أن حالة الطبيعة تعتمد مبدأ القوة والحرية المطلقة وأن طبيعة الانسان تتصف بالشر حيث شبه الانسان بالذئب الذي يسعى الى استغلال أخيه الانسان والاعتداء عليه، لذلك سيدخل الانسان في صراع وحرب مع كل الناس الاخرين وهي حرب كلية سماها هوبز بحرب الكل ضد الكل. ومادامت مصالح الناس متشابكة وحاجاتهم مترابطة فإنه لايوجد انسان يضمن لنفسه البقاء والحياة السعيدة مهما بلغ من القوة، من هنا يتضح أن الاستمرار في حالة الطبيعة يشكل خطرا ويهدد مصير الانسانية، بحيث يؤدي الى استنساخ العنف والعدوان الطبيعي لدى الحيوانات وتطبيقه على العلاقات الانسانية، لذلك وجب الانتقال الى مرحلة التعاقد الاجتماعي في نظر هوبز. في حين نجد جون جاك روسو يعترف أن حالة الطبيعة تتميز بالحرية المطلقة وترتكز على مبدأ القوة، لكنه يرى أن طبيعة الانسان تتصف بالخير والبراءة، فالانسان في حالة الطبيعة لم يكن يعرف الصراع ولا الحسد ولا الحرب، بل كانت حياته تتميز بالبساطة والسذاجة، حيث كان يأكل من ثمار الاشجار ويشرب من جداول المياه وينام في الطبيعة. غير أن ظهور الملكية الفردية سيؤدي الى فساد الطبيعة الانسانية ويسبب الصراع والحرب. لقد اعتبر روسو أن اول شخص أحاط أرضا بسياج وقال هذه ملك لي، ومنع الاخرين من دخولها، هو من جلب الشر والحروب للانسانية، وبسبب هذا التحول كان من الضروري الانتقال الى مجتمع منظم من خلال عقد اجتماعي.

العقد الاجتماعي أساس الحقوق والحريات المدنية:

social_contract_civil_rights_freedom
العقد-الاجتماعي-الحقوق-الحريات-المدنية
        يعتبر فلاسفة العقد الاجتماعي أن الانتقال الى مجتمع منظم يبدأ بتكوين تعاقد واتفاق اجتماعي يتنازل فيه جميع الافراد عن الحرية المطلقة وعن مبدأ القوة، ويقبلون بحرية محدودة وباللجوء الى العدالة. ويشكل العقد الاجتماعي مصدر جميع القوانين المنظمة للحياة الاجتماعية. ويهدف التعاقد الى ضمان الحقوق الطبيعية ومنح حقوق وضعية مدنية للانسان. كما يعتبر التعاقد الاجتماعي اساس السلطة السياسية، فمن خلال التعاقد يتم تحديد شكل الحكومة واختيار الحاكم الذي يلتزم بتطبيق بنود العقد الاجتماعي. وينتج عن ذلك ان القانون يعبر عن ارادة الشعب والحكومة تطبق هذه الارادة الاجتماعية. غير أننا نجد اختلافا بين فلاسفة العقد الاجتماعي، فإذا كان طوماس هوبز يعتبر أن الحاكم ليس طرفا في التعاقد ويفضل هوبز الاستبداد على الفوضى، ولا يسمح للشعب بالتمرد على الحاكم المستبد، مادام الحاكم مستبدا مستنيرا، فإن جون جاك روسو يجعل الحاكم طرفا في العقد الاجتماعي ويلزمه بتطبيق ما اتفق عليه المجتمع، وإذا خالف الحاكم بنود العقد وجبت الثورة عليه وخلعه من الحكم.

      لقد شكل التعاقد الاجتماعي أساسا مرجعيا للديموقراطية الحديثة، بحيث تعد ارادة الشعب مصدر كل القرارات السياسية والقوانين المنظمة للحياة الاجتماعية، ومنبع كل الحقوق الانسانية والحريات. فلا تكون القوانين ثابتة ولا الحقوق والحريات جامدة، بل قابلة للتعديل والتغيير بحسب تطورات العصر واتفاق المجتمع. ولذلك يكون واجبا على الحكومات الرجوع باستمرار الى الشعب قصد اتخاذ القرارات التي تهم الحقوق والحريات، فما اتفق عليه الشعب صار مقبولا، وما رفضه الشعب لا ينبغي العمل به.
شاركه على جوجل بلس

الكاتب ziton

    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 comments:

إرسال تعليق