نقد الديمقراطية الجديدة العيوب والخدع

democracy_athens
الديمقراطية-في-أثينا
           يهدف نقد الديمقراطية الجديدة الى اظهار عيوبها والخدع التي تنبني عليها، ثم توضيح من يستفيد منها، وابراز الاختلاف بينها وبين الديمقراطية اليونانية القديمة. لقد استخدمت الديمقراطية كنمط من الحكم الذي يستمد شرعيته من المجتمع، بحيث تنبثق فيه السلطة من ارادة المجتمع وتكون القوانين معبرة عن ما تريده الجماعة. ويكون الحاكم من اختيار المجتمع وينفذ ارادة المجتمع. لقد كانت الديمقراطية اليونانية كما تشكلت في مدينة آثينا في العصور القديمة قبل الميلاد نموذجا متميزا، جسد فعليا حكم الشعب وحضور ارادة الشعب. فكان اجتماع الناس في ساحة الاغورا فرصة ليشارك كل مواطن بشكل مباشر ودون تمثيل او انتخاب في اتخاذ القرارات السياسية التي تخص المدينة. غير أن الديمقراطية الجديدة التي تعيشها كثير من دول الغرب وتسعى كثير من دول العالم الثالث الوصول اليها تقليدا للغرب، ليست نسخة طبق الاصل للديمقراطية اليونانية، بل خضعت لتعديلات كثيرة افقدتها جوهرها.

1- مميزات الديمقراطية اليونانية:

        تعبر الديمقراطية اليونانية القديمة قبل الميلاد على نضج المجتمع اليوناني وتعاونه ومشاركة كل افراده في اتخاذ القرارات السياسية التي تخص بلده. حيث تجاوزت الديموقراطية كل اشكال الاستبداد السياسي المنتشر في الانظمة السائدة أنئذ في الملكيات والامبراطوريات المجاورة. وتتميز الديمقراطية اليونانية بشروط أساسية هي: سمحت لكل مواطن بحق التعبير عن رأيه والمشاركة في الحوار السياسي بشكل مباشر دون واسطة. كما رفضت كل المرجعيات الميتافزيقية والسلطوية في اتخاذ القرار ولجأت الى الحجة العقلية كمرجع أساسي لقبول الرأي او رفضه. ولم تعتمد الديمقراطية اليونانية على مبدأ الارقام ولا النسب المئوية في اتخاذ القرار. بل كان كل مواطن بشكل عيني مطالب باتخاذ القرار بنفسه. وقد تكون ظروف المدينة اليونانية تسمح بذلك نظرا لقلة عدد السكان واشتراكهم في الهموم اليومية والمصيرية بسبب بساطة الحياة ونمط العيش.

     لم تكن الديمقراطية اليونانية نموذجا فاضلا، فهي ديموقراطية تقر الاستعباد وتميز بين المواطن الحر والعبد. ولا تسمح للعبد بالمشاركة في اتخاذ القرارات السياسية. كما ان العبد لا يعتبر مواطنا، وتستثني الديمقراطية اليونانية المرأة والانسان الاجنبي من المشاركة السياسية، فهي ديموقراطية تعترف بالمواطن الاصلي الذكر الحر فقط.

2- عيوب الديمقراطية الجديدة:

new_democracy_parlement
الديمقراطية-البرلمانية
       تتأسس الديموقراطية الجديدة على فكرة التمثيل البرلماني والذي يتم بواسطة لعبة الانتخابات المتأسسة بدورها على خدعة الارقام. إذ في ظل الديمقراطية الحالية لا يشارك كل مواطن بشكل مباشر في اتخاذ القرارات السياسية بل يفترض ان تتم المشاركة من خلال ممثلين عن كل منطقة. وهذا الامر الاول يلغي الاساس الشعبي للحكم في الديمقراطية الجديدة، إنها حكم المنتخبين وليس حكم الشعب. وحتى لو سلمنا جدلا بنزاهة الانتخابات فإن المنتخبين لا يعبرون دائما عن ارادة الشعب وإنما يطالبون بمصالحهم الخاصة ومصالح احزابهم. ومن ثم تفقد الديموقراطية الجديدة شرعيتها الشعبية. كما أن لعبة الانتخابات تتأسس على خدعة الارقام، وهي خدعة تجعل الكثير من الناس يعتقد ان المنتخبين يمثلون كل الشعب، وهذا خطأ إذ في الغالب لايصوت كل الشعب، وغالبا ماتجد اكثر من نصف الشعب لم يشارك في الانتخابات، ومع ذلك تكون النتائج بالارقام هي فوز الحزب الفلاني بنسبة 70 بالمئة مثلا، إنها نسبة خادعة. فهي نسبة 70 بالمئة من المنتخبين وليس من الشعب. فلو افترضنا ان مجموع سكان شعب هو 100 مليون نسمة القادرين على المشاركة في الانتخابات، غير ان الذين شاركوا بالفعل كان عددهم 10 ملايين فقط و90 مليون ممتنع عن الانتخابات. فإن الحزب الذي سيفوز بنسبة 70 بالمئة ستكون هي 70 بالمئة من 10 ملايين (أي 7 ملايين فقط) وليس 70 بالمئة من 100 مليون مواطن( أي ليس 70 مليون مواطن). ومع ذلك يتم تداول النسبة المئوية والارقام على انها تمثل مجموع الشعب. وهذه اكبر خدعة تقوم عليها الديمقراطية الجديدة.

Ballot-Box
صندوق-الانتخابات
         أما المسألة الثانية فهي مشكلة التلاعب في الانتخابات وغياب النزاهة، فإلى عهد قريب كنا نسمع في الدول المتخلفة حصول الجهاز الحاكم على نسبة 99,99 بالمئة من الاصوات التي تقبل به. وهذا بلا شك يؤكد غياب النزاهة وحضور الخبث السياسي في افعال من يدعون الديموقراطية الجديدة، إلى جانب الخدع المستخدمة في الخطابات الانتخابية والتي يكون هدفها هو تضليل الشعوب والكذب عليهم. والواقع ان الممارسة الديمقراطية في كل البلدان سواء المتقدمة او المتخلفة لا تخلو من تلاعبات ومن خدع وحيل، وهذا بالضبط مايفقدها مشروعيتها الاجتماعية. فليس المجتمع هو من يمنح الشرعية للحكومات والانظمة، كما يعتقد الكثير من الناس، بل الانظمة تصنع شرعيتها بنفسها من خلال التلاعب في الانتخابات والارقام تحت غطاء شعبي/ اجتماعي.

         ومن عيوب الديمقراطية الجديدة كذلك تعاملها مع جميع المواطنين بنفس المقدار، عالمهم كجاهلهم. فالعالم له صوت واحد وللجاهل صوت واحد مثله. وللانسان الصالح صوت واحد وللانسان المجرم والفاسد صوت واحد مثله. لذلك فتطبيق الديمقراطية في كثير من المجتمعات ستؤدي الى دمارهم، لان استغلال الجاهل من طرف الفاسد سيؤدي الى انهزام فرقة العالم والصالح، وهو الامر الذي يحول المجتمعات الى قطعان في يد طائفة من المجرمين كما نلاحظ الان في الغرب، فأمريكا وكثير من الدول الاوروبية اصبحت بمثابة قطعان في يد عصابة من السياسيين المجرمين. وهو نفس الامر في كثير من الدول العربية.

3- من يستفيد من الديمقراطية الجديدة:

           إن من يستفيد من الديمقراطية الجديدة ليس هو الشعب بكل تأكيد، فالشعب تتحدد مهمته في التحايل عليه اثناء اختيار الحكومة فقط. أما بعد ذلك فتصبح القرارات تنزل على رأسه كالمطر دون توقف. ولا يستطيع الشعب تغيير القوانين ولا القرارات بعد ذلك. لهذا تلاحظ في جميع الدول بلا استثناء حضور أجهزة قمعية لكل الحركات الاحتجاجية ضد الحكومات السياسية. فلو كانت الديموقراطية الجديدة فعلا تعبر ان ارادة الشعوب لكانت تستجيب لمطالب هذه الشعوب عندما تحتج. إن من يستفيد من الديمقراطية الجديدة هم رجال السياسة ورجال الاقتصاد الذين يتحالفون فيما بينهم ضد الشعوب.

      ليست الديموقراطية الجديدة سوى مجموعة من الشعارات الجذابة التي يتحايل بها رجال السياسة بتحالف مع رجال الاقتصاد ضد الارادة الحقيقية للشعوب. وكل من درس واقع الديمقراطيات الحالية سيكتشف ألاعيبها وخدعها.
شاركه على جوجل بلس

الكاتب ziton

    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 comments:

إرسال تعليق