ارسطو موسوعة الفلسفة اليونانية

أرسطو موسوعة الفلسفة اليونانية

aristotle-greek-philosophy
ارسطو-فيلسوف-يوناني
          أرسطو او ارسطوطاليس يعد من عباقرة الفكر الانساني، ويعتبر فيلسوفا وعالما يونانيا، ظل ارسطو عبر التاريخ المعلم الاول الذي تنطلق من أفكاره جل الفلسفات وتعود الى فلسفته كل النقاشات. شكل أرسطو موسوعة فلسفية وعلمية جمعت كل الابداعات الفكرية اليونانية في نسق نقدي متكامل. ويعتبر أرسطو مرجعا أساسيا في الفلسفة، فهو المصدر الوحيد الذي وصلتنا من خلال كتاباته كل الفلسفات اليونانية السابقة من طاليس الى سقراط. تميزت فلسفة ارسطو بالتنوع والثراء الفكري، حيث شملت معظم المعارف والعلوم، وقد حضيت فلسفة أرسطو عبر التاريخ باهتمام لا مثيل له من طرف كل الفلاسفة ودارسي الفلسفة. وظلت فلسفة ارسطو مصدرا أساسيا للحكمة الفلسفية والالهام الفكري، واعتمدت كنموذج للحكمة الاخلاقية والصرامة المنطقية والتنظيم السياسي والمنهج التربوي، حيث جسدت مدرسة ارسطو مثالا للنبوغ الفكري. ووصل تأثير فلسفة أرسطو الى كل الحضارات، واعتمدتها مرجعيات مختلفة في الدفاع عن ايديولوجتها الخاصة.

          ولد أرسطو سنة 384 قبل الميلاد في مدينة استاغيرا المتواجدة على الحدود الشمالية لليونان القديمة وتوفي سنة 322 قبل الميلاد، كان والده نيكوماخوس طبيبا شخصيا للملك أمينتاس المقدوني، وتوفي والده نيكوماخوس عندما كان أرسطو طفلا، ثم تولى رعايته بروكسينوس الاطارنوسي، ويعتقد ان ارسطو قضى جزءا من طفولته المبكرة في القصر المقدوني وربط علاقات مع العائلة الملكية. وقد كان لأبيه أثر كبير في اهتمامه بعلم التشريح وعلوم الحياة. وعندما بلغ سن الثامنة عشر رحل أرسطو الى مدينة أثينا ليستكمل دراسته في أكاديمية أفلاطون، والتي قضا فيها حوالي عشرين سنة طالبا ومدرسا قبل أن يغادرها سنة 348 قبل الميلاد، خوفا من المشاعر المعادية للمقدونيين، وبعد تحول ادارة اكاديمية افلاطون الى يد ابن شقيقه سبوسيبوس واستياء أرسطو من طريقة التسيير. وقد سافر أرسطو مرفوقا بصديقه كزينوكراطس الى قصر صديقه هيرمياس الارنوسي الى أسيا الصغرى، ثم سافر أرسطو مع ثيوفراسطوس الى جزيرة ليسبوس حيث قاما بأبحاث في مجال علوم النبات وعلم الحيوان. وقد تزوج أرسطو بابنة هيرمياس بالتبني اسمها بيثياس. ومباشرة بعد وفاة هيرمياس تم استدعاء أرسطو من طرف فيليب الثاني المقدوني ليصبح معلما لإبنه الاسكندر الاكبر سنة 343 قبل الميلاد. ثم تكلف أرسطو برئاسة أكاديمية مقدونيا، وخلال هذه الفترة لم يكن ارسطو يهتم بتدريس الاسكندر الاكبر فقط، بل كان يقدم دروسا لأميرين أخرين سيصبحان ملوكا، هما بطليموس و كساندر. وقد شجع أرسطو الاسكندر الاكبر على القيام بغزوات تجاه الحضارات الشرقية، وكانت مواقفه من غزو بلاد فارس متأسسة على دوافع عرقية محضة. وفي مثال مشهور، لقد نصح أرسطو الاسكندر ليكون "قائدا لليونانيين وطاغية على البرابرة وان يهتم بالاصدقاء والمقربين، وان يتعامل مع الحيوانات والنباتات".

aristotle-sculpture_greek-philosophy
ارسطو-الفلسفة-اليونانية
         وقد عاد ارسطو الى أثينا سنة 335 قبل الميلاد وأسس مدرسته الخاصة التي سميت بالثانوية lyceum وقضى حوالي احدى عشر سنة يلقي فيها الدروس، معتمدا الطريقة المشائية، حيث كان يمشي في اروقة الثانوية وثلاميذه يتبعونه اثناء القاء الدروس. وعندما توفيت زوجة ارسطو بيثياس، أغرم بجاريتها هيربيليس التي كانت من مدينة ستاغيرا وانجب معها طفلا سماه نيكوماخوس. لكن بعد وفاة الاسكندر وتجدد المشاعر المعادية للمقدونيين في آثينا، قام بعض اعداء ارسطو باتهامه بالالحاد وعدم الايمان، فخاف من الاضطهاد وتكرار مصير سقراط، لذلك هرب الى مدينة شيلسيس التي ولدت فيها أمه وبقي فيها إلى أن توفي عن سن يناهز 63 سنة.

        وخلال الفترة الممتدة بين 335 و 323 قبل الميلاد ألف أرسطو معظم كتبه، وكتب مجموعة من الحوارات لم يصلنا منها سوى بعض الشذرات. وقد كانت هذه الكتابات التي وصلتنا في شكل مقالات يعتقد انها كانت بمثابة دروس مساعدة لتلاميذه، وكان من بين هذه المقالات كتابه حول: الطبيعة و كتب مابعد الطبيعة (الميتافزيقا) وكتاب الاخلاق الى نيقوماخوس وكتاب السياسة وكتاب النفس وكتاب الشعر. 
        ويعتبر ارسطو فيلسوفا موسوعيا حيث قام بدراسة كل القضايا العلمية والمعرفية والفلسفية التي كانت مطروحة في عصره، وقدم مساهمات مهمة في كل منها، لذلك يعد ارسطو بمثابة موسوعة الفلسفة اليونانية، إذ نجد لديه مساهمات في علوم الطبيعة "الطبيعيات" وتشمل علم التشريح وعلم الفلك والتوالد وعلم الاجنة والجغرافية وعلوم الارض او الجيولوجيا وعلم الارصاد الجوية وعلم الطبيعة (الفزياء) وعلم الحيوان وعلم النبات. أما في مجال الفلسفة فقد ألف كتبا في مجال علم الجمال والاخلاق والسياسة والميتافزيقا وعلم النفس والخطابة واللاهوت. كما قام بدراسة مجال التربية والعادات والتقاليد الاجنبية والاداب والشعر وأسس بهذه الاعمال الفكرية موسوعة علمية وفلسفية للمعرفة اليونانية.


aristotale_plato_death_of_socrates
ارسطو-افلاطون-موت-سقراط
         شكلت فلسفة أرسطو نقلة نوعية في مسار الفكر اليوناني، إذ قدمت نسقا متكاملا للمعرفة والاخلاق والسياسة والادب، جاء مناقضا للفلسفة الافلاطونية المثالية ومنتقدا للفلسفات السابقة. حيث أسس أرسطو فلسفة واقعية مادية اهتمت بالطبيعة وفهم قوانين العلمية وعللها، حيث قسم العالم الى صورة ومادة، وميز في الاسباب أربع علل وهي العلة المادية والعلة الصورية والعلة الفاعلة والعلة الغائية، واعتبر أن للعالم نظام وقوانين تسيره، تنطلق من محرك أول اعطى الصورة للمادة الاولى او الهيولى ومنحه الدفعة الاولى وترك العالم يسير بناء على قوانين، ولم يتحدث ارسطو عن العناية الالهية او التدخل المستمر للآلهة في العالم. ويعتبر أرسطو مؤسس علم المنطق حيث حدد مبادئ التفكير المنطقي السليم في مبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض ومبدأ الثالث المرفوع ثم مبدأ السببية. وقدم ارسطو الطرق المنطقية السليمة في الاستدلال متمثلة في القياس المنطقي والاستقراء ثم بين المغالطات المنطقية في الاستدلال. أما في المجال الاخلاقي فقد اعتبر ارسطو ان مبدأ الاعتدال في الصفات والسلوكات هو أساس الاخلاق الفاضلة، بحيث يتم تجنب كل افراط او تفريط. واعتبر ان الهدف من الاخلاق هو تحقيق السعادة الفردية، بينما اعتبر أن السياسة باعتبارها علم تدبير المجتمع تهدف الى تحقيق السعادة الجماعية. أما في مجال الادب فقد اهتم ارسطو بالتمييز بين الملحمة والتاريخ كما ميز بين المأساة والملهاة "الفكاهة" واعتبر ان الفن محاكاة للطبيعة وان جمال الابداع الفني يكمن في دقة تصوير الاشكال الطبيعية الجميلة.

         ظلت فلسفة أرسطو عبر التاريخ مصدر الهام وبحث ونقد لدى معظم الفلاسفة، ونجد تأثير فلسفة أرسطو في الحضارة العربية والمسيحية والاوربية الحديثة. حيث عمل معظم الفلاسفة المسلمون على ترجمة وتحليل وشرح فلسفة ارسطو، كما اتخذها الفلاسفة المسيحيون دعامة أساسية في الدفاع عن عقائدهم الدينية، ولم تستطع الفلسفة الاوروبية الحديثة والمعاصرة ان تبني نسقا مستقلا عن فلسفة ارسطو، فمعظم الفلسفات الحديثة دخلت في نقاش فكري مباشر من أفكار ارسطو، حيث نجد ان الفلسفات الحديثة إما نقد للارسطية او شرح وتحليل لها او تطوير وتجديد للقضايا التي طرحها أرسطو، بل صار بعد كبار الفلاسفة المحدثين يبنون أنساقهم الفلسفية على شاكلة الفلسفة الارسطية ونفس مقاييسها. وهذا ماجعل الفلسفة الارسطية منفتحة على العالمية ومرتبطة بقضايا انسانية راهنة (معاصرة).
شاركه على جوجل بلس

الكاتب ziton

    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 comments:

إرسال تعليق