مشكلة الذاتية في العلوم الانسانية

الذاتية في العلوم الانسانية:


العلوم_الانسانية_الانتربولوجيا_علم_الاجتماع
الذاتية-العلوم-الانسانية
             تعتبر مشكلة الذاتية في العلوم الانسانية أصعب القضايا التي تواجه العلماء، فالعلوم الانسانية مطالبة بالتخلص من الذاتية وتحقيق الموضوعية في ابحاثها، غير أن تداخل الذات مع الموضوع بحكم طبيعة الظاهرة الانسانية تجعل التخلص من الذاتية مسألة صعبة. لكن حضور الذاتية في البحث العلمي يفقد البحث مصداقيته وقيمته ويحوله الى مجرد رأي. فلماذا تتصف العلوم الانسانية بالذاتية؟ وهل يمكن للعلوم الانسانية أن تتخلص من الذاتية؟ وهل تعتبر الذاتية أمرا سلبيا في العلوم الانسانية؟

- بداية العلوم الانسانية ومشكلة النموذج العلمي:

التجريب_العلوم_الانسانية
تجربة-كلب-بافلوف
       ظهرت العلوم الانسانية خلال القرن 19م كمحاولة جديدة لفهم حقائق الانسان من الناحية النفسية والاجتماعية والتاريخية والثقافية، وقد جاءت العلوم الانسانية بعد أن حققت العلوم التجريبية نجاحا باهرا في دراسة الطبيعة، وتمكنت من تفسير ظواهرها وتحديد القوانين التي تسيرها. غير أن نجاح العلوم التجريبية قد ارتكز على استخدام المنهج التجريبي الذي يؤدي الى تحقيق الموضوعية في الابحاث العلمية. لذلك اتُخِذت العلوم التجريبية كنموذج للبحث العلمي، وصار العلماء مبهورين بجاذبية وفعالية المنهج التجريبي، حيث حاولوا تطبيقه في مختلف المعارف، وهذا ما يفسر دعوة المؤسسين الاوائل للعلوم الانسانية الى اعتماد المنهج التجريبي كأساس للبحث العلمي في العلوم الانسانية. حيث نجد أن إميل دوركايم قد دعا الى اعتبار الظاهرة الانسانية بمثابة أشياء مادية مشابهة للظواهر الطبيعية، بينما دعا اوغست كونت الى اعتماد فزياء اجتماعية في دراسة ظواهر المجتمع، في حين نجد ماكس فيبر يدعو الى ضرورة التزام الحياد القيمي، ويؤكد هذا الامر على تخوف مؤسسي العلوم الانسانية من سقوط ابحاثهم في الذاتية وفقدانها للشروط العلمية من جهة وتقديرهم لمكانة المنهج التجريبي من جهة أخرى. وقد جسد علماء النفس هذا الحب الكبير للمنهج التجريبي حيث قام بعضهم بتطبيقه في دراسة الظواهر النفسية، إذ نجد العالم فوندت قد أسس أول مختبر تجريبي في علم النفس، كما نجد سكينر قد قام بتجارب مباشرة على سلوكات كثير من الحيوانات منها الفئران والحمام، ونجد بافلوف الذي اشتهر بدراسة السلوكات الشرطية وتجربته على الكلب. وقد انتقل علماء النفس الى القيام بتجارب وتطبيقات مباشرة على الانسان. ويؤكد هذا الامر على أن العلوم الانسانية في بدايتها كانت تتخذ من العلوم التجريبية نموذجها في البحث العلمي، ولم تستطع الاستقلال بنفسها وابداع طريقة خاصة بها تناسب طبيعة الموضوع المدروس.

- أسباب وجود الذاتية في العلوم الانسانية:

الانتروبولوجيا_العلوم_الانسانية
الاحتفال-ظاهرة-ثقافية
            يدل مفهوم الذاتية على اقحام الذات وتأثير الباحث في نتائج البحث وذلك من خلال ادخال الذوق والمشاعر الخاصة والمعتقدات والانتماءات الطبقية والحزبية والعرقية .... ويرد مصطلح الذاتية كنقيض لمفهوم الموضوعية الذي يدل على أن البحث يقوم على حجج وادلة عقلانية وتجارب يمكن التحقق من صحتها وتكون مستقلة عن الذات. لهذا يوصف البحث الموضوعي بأنه بحث علمي ذو قيمة ومصداقية، بينما يظل البحث المتصف بالذاتية مجرد تصور خاص أو رأي فاقد للمصداقية والقيمة العلمية.
        يختلف موضوع العلوم التجريبية عن موضوع العلوم الانسانية، فإذا كانت العلوم التجريبية تعتمد في موضوعها على دراسة الطبيعة والواقع المادي الفزيائي، حيث تكون الظاهرة الطبيعية مستقلة عن الانسان وتكون دراستها دراسة موضوعية ومجردة من اقحام المشاعر والاعتقادات، فإن العلوم الانسانية يتمحور موضوعها حول الانسان، بحيث تشكل الظاهرة الانسانية قضية معقدة تتدخل فيها عوامل عديدة، ويصعب فهمها دون أن يشارك الباحث فيها او يرتبط بها. إن تداخل الذات مع الموضوع يجعل الباحث في العلوم الانسانية يؤثر في موضوع البحث ويتأثر به. فالانسان ذات باحثة وموضوع للبحث في العلوم الانسانية. وسواء كانت الظاهرة تاريخية او نفسية او اجتماعية او ثقافية فإن فهمها وتفسيرها لا يكون بطريقة مستقلة عن قناعات الذات الباحثة ومعتقداتها وذوقها وانتماءاتها. ورغم المحاولات الجبارة التي يبذلها العلماء ضمن العلوم الانسانية تظل مسألة الذاتية تفرض نفسها بشكل بارز على أبحاثهم. لذلك يمكن القول إن سبب الذاتية في العلوم الانسانية راجع الى طبيعة الموضوع المدروس والمتمثل في الظاهرة الانسانية.

- هل الذاتية أمرا سلبيا؟

         في واقع الامر تعتبر الذاتية مسألة عادية تظهر اجتهاد الباحث من جهة واعتبار المعرفة العلمية ناتجة عن مجهود بشري، وليست منبثقة من مصدر مطلق. ومن هذا المنظور تعتبر كل معرفة انسانية متصفة بالذاتية، وتدخل العلوم التجريبية ضمن هذا المفهوم. ولا يمكن تحقيق معرفة علمية دون تدخل الذات الانسانية، فالذات هي التي تفهم وتقيس وتحدد دلالة الاشياء بحسب قدراتها. ولذلك يكون العلم تعبير تجربة الذات في الوجود. غير أن الافراط في الذاتية وطغيانها على البحث يؤدي الى ضياع القصد المعرفي وبروز الطابع الايديولوجي. إن طغيان الذاتية في الابحاث يحولها من ابحاث علمية الى تبريرات ايديولوجية هدفها التمويه والتدليس وليس اظهار الحقيقة والكشف عنها.
شاركه على جوجل بلس

الكاتب ziton

    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 comments:

إرسال تعليق