امانويل كانط والفلسفة النقدية

امانويل كانط والفلسفة النقدية


immanuel_kant_critical_philosophy
امانويل-كانط-الفلسفة-النقدية
        يعتبر امانويل كانط أحد كبار الفلاسفة الغربيين في العصر الحديث، اعتمد كانط فلسفة نقدية ركزت على دراسة شروط المعرفة وتوضيح حدود العقل في اطار نظرية المعرفة للتوحيد بين الفلسفة العقلانية والفلسفة التجريبية. كانت تجربة إمانويل كانط متميزة في التفكير الفلسفي، إذ شكل نسقا فلسفيا نقديا بين فيه المجال الذي يصل فيه العقل الانساني الى الحقيقة والمعرفة اليقينية، واعتبر ان مجال الميتافزيقا تندرج خارج حدود العقل، بحيث تطرح قضايا متناقضة لا يستطيع العقل الحسم فيها. كان امانويل كانط معجبا بالفلسفة الطبيعية وعلم الفزياء وعلم الفلك الذي تركه اسحاق نيوتن وقد اعجب كانط بالرياضيات خاصة الهندسة وبالمنهج التجريبي الذي أسسه فرونسيس بيكون وجون لوك. اهتم الفيلسوف الالماني امانويل كانط بقضايا متنوعة حيث بدأ بدراسة التاريخ الطبيعي للكون ونقد المنطق المدرسي (الارسطي) ثم انشغل بدراسة الميتافزيقا ونقد الاستدلال التقليدي على وجود الله ضمن عمله "نقد العقل النظري" وانتقل الى دراسة الاخلاق وعلم الجمال او الاستطيقا، وتناول مسألة التنظيم السياسي الدولي بهدف تجنب الحرب ضمن مشروع السلام الدائم، كما اهتم بتكوين تصور للدين في حدود العقل. غير أن فلسفة كانط ظلت متصفة بصبغة التعالي والشمولية بحيث تنفتح على الكونية وتهتم بالانسان عموما، وتركز على الطابع العقلاني كمصدر لقيمة الانسان وكرامته، وتشجع الانسان على تحمل المسؤولية ورفض كل وصاية، ضمن مشروع التنوير الذي سعى كانط الى تحقيقه على المستوى الفكري.

امانويل كانط حياته ومساره الفلسفي:


immanuel_kant_critical_philosophy_mind
امانويل-كانط-الفلسفة-النقدية
          ولد امانويل كانط في مدينة كوينغسبرغ Königsberg بدولة بروسيا الشرقية يوم 22 أبريل من سنة 1724 ميلادية، وتوفي يوم 12 فبراير 1804، والدته: أنا ريجينا روتر، وأبوه: جوهان جورج كانط، كان يعمل في صناعة سروج الخيل. ويعتقد ان أصل أجداده من اسكتلاندا. كانت طفولة امانويل كانط صعبة وشاقة حيث نشأ في أسرة محافظة ومتشددة دينيا وملتزمة بحرفية النصوص الانجيلية، تلقى تربية صارمة تميزت بالتأديب والانضباط، فتعلم اللغة اللاتينية والقواعد الدينية المسيحية ثم درس الرياضيات والعلوم الطبيعية. وقد ظل طيلة حياته خاضعا لنظام صارم ودقيق جعله مثالا في الانضباط والنظام. حيث يحكى ان جيرانه كانوا يضبطون ساعاتهم حين يرونه خارجا من منزله، لانه يخرج دائما في  نفس التوقيت. لم يتزوج امانويل كانط في حياته، بل خصص كل حياته للبحث العلمي والفلسفي، ولم يسافر في حياته خارج مدينته التي ولد فيها. تلقى تعليمه في كوليج فريديريك الى حدود سنة 1740 ثم التحق بجامعة كوينغسبورغ University of Königsberg حيث درس فلسفة غوتفريد ليبنتز Gottfried Leibniz وفلسفة كريستيان وولف Christian Wolff على يد استاذه مارتن كنوتزن Martin Knutzen وتأثربالفزياء الرياضية التي ابدعها اسحاق نيوتن Newton، غير أن وفاة والده سنة 1746 اجبرته على ترك الجامعة، لكنه عاد اليها ليواصل دراسته انطلاقا من سنة 1754 ثم اشتغل مدرسا خاصا في ضواحي مدينة كوينغسبورغ وظل يتابع دراسته الى ان تخرج سنة 1755 واشتغل مدرسا في جامعة كوينغسبورغ، حيث تمحورت دروسه حول الفزياء والرياضيات والاخلاق ونقد الميتافزيقا ثم دراسة علم الجمال او الاستطيقا. وقد شرع في نشر كتاباته منذ 1755 حيث ألف أزيد من عشرين كتاب ومقالة في تخصصات مختلفة علمية وفلسفية وحصل على جوائز كثيرة من الجامعات. وكان مدرسا مشهورا وناجحا ومتواضعا ومحبوبا لدى طلابه.


كتب امانويل كانط:

       ترك امانويل كانط عددا كبيرا من الكتب والمقالات العلمية والفلسفية والتي قضى ازيد من نصف قرن في كتابتها، وندرج في ما يلي قائمة بكتبه ومقالاته العلمية والفلسفية:

- أفكار حول التقديرات الحقيقية للقوى الحية. 1749
- التاريخ الطبيعي للعالم ونظرية السماء. 1755
- الخطوط العريضة لبعض التأملات حول النار. 1755
- توضيح جديد حول المبادئ الاولى للادراك الميتافزيقي. 1755 اطروحة دكتوراه
- استخدام الميتافزيقا مركبة مع الهندسة في الفلسفة الطبيعية، الجزء الاول: المونادلوجيا الفزيائية. 1756
- مغالطات الاشكال الاربعة للقياس المنطقي. 1762
- الدليل الوحيد الممكن للبرهان على وجود الله. 1763
- محاولة تقديم المقادير السلبية الى الفلسفة. 1763
- ملاحظات حول الاحساس بالجميل والجليل. 1764
- مقال حول صداع الرأس. 1764
- بحث حول تمييز مبادئ الدين الطبيعي والاخلاق. 1764
- أحلام حول الروح سير. 1766
- رسالة حول شكل ومبادئ العالم العقلاني والحسي. 1770 اطروحة التأهيل للعمل في الجامعة.
- حول اجناس مختلفة من الرجال. 1775
- نقد العقل النظري، الطبعة الاولى 1781
- مقدمة الى كل ميتافزيقا مستقبلية. 1783
- جواب عن سؤال: ما التنوير؟ 1784
- فكرة من اجل تاريخ عالمي ذو هدف كوني.1784
- أسس ميتافزيقا الاخلاق. 1785
- الاسس الميتافزيقية لعلم الطبيعة. 1786
- ماذا يعني توجيه الذات في التفكير. 1786
- البداية التخمينية للتاريخ الانساني. 1786
- نقد العقل النظري. الطبعة الثانية 1787
- نقد العقل العملي. 1788
- نقد ملكة الحكم. 1790
- الدين في حدود العقل. 1793
- حول القول المأثور (مثل): قد يكون صحيحا في الجانب النظري، لكنه لن ينجح في الممارسة.1793
- مشروع السلام الدائم. 1795
- ميتافزيقا الاخلاق. 1797
- الانتروبولوجيا من المنظور النفعي (البرجماتي). 1798
- تنافس الكليات. 1798
- المنطق. 1800
- حول علوم التربية. 1803


كانط والفلسفة النقدية:

immanuel-kant_critical_philosophy_reason
امانويل-كانط-الفلسفة-النقدية
          ارتبط اسم امانويل كانط بالفلسفة النقدية، حيث خصص معظم كتاباته الفلسفية لنقد العقل وتوضيح حدوده واظهار شروط المعرفة وانتقاد الميتافزيقا. إذ يشكل كتاب نقد العقل النظري ونقد العقل العملي ونقد ملكة الحكم بالاضافة الى كتاب اسس ميتافزيقا الاخلاق نسقا نقديا متكاملا وضح فيه تصوره الخاص لنظرية المعرفة. حيث ابتدأ بتوضيح شروط المعرفة اليقينية والتي حددها في الحدوس القبلية للزمان والمكان ثم الحدوس الحسية والمقولات العقلية. واعتبر أن كل معرفة لا تتوفر فيها هذه الشروط تعتبر معرفة ظنية غير يقينية، ويندرج في هذا الصنف كل التصورات الميتافزيقية مثل وجود الله وخلود النفس وبداية العالم او نهايته. كما اعتبر الفيلسوف كانط أن الميتافزيقا هي مجال لمتناقضات العقل بحيث يستطيع العقل البرهان على الفكرة ونقيضها بنفس القدر من التماسك المنطقي دون القدرة على ترجيح او تفضيل استدلال على اخر. وقد خصص كانط مجالا من فلسفته لنقد البرهان التقليدي على وجود الله، حيث بين أن جميع الادلة المقدمة على وجود الله تشتمل على مغالطات وتفتقر الى شرط الحدوس الحسية وهي بذلك تظل مجرد مجال لخداع المخيلة.

          وفي كتاب نقد العقل العملي ابرز كانط ضرورة وضع مبادئ عقلانية للسلوكات تجعل الانسان يستشعر الاحساس بالمسؤولية تجاه الواجب الاخلاقي أثناء التصرف. فاعتبر الواجب مبدأ اخلاقي كوني والتصرف وفقه يعد بمثابة تشريع للانسانية، ويهدف امانويل كانط من ذلك الى وضع أسس عقلانية للسلوك تتجاوز الاسس الميتافزيقية والغائية الدينية وتنمي في الانسان الشعور بالمسؤولية وتستحضر الوعي وتجعل الشخص يتخلى عن ربط السلوك بالثواب والعقاب. وقد ركز كانط على حرية الارادة في تحديد الواجب اساس للسلوك، حيث أعتبر ان للانسان ارادة طيبة توجهه نحو الخير، وبناء على حرية الارادة يصبح الانسان مسؤولا عن تصرفاته.

      كما خصص كانط كتاب "نقد ملكة الحكم" من اجل نقد علم الجمال او الاستطيقا، حيث يهدف الى تحديد تصور كوني للجمال يتجاوز الشعور الشخصي والذوق النسبي، لذلك يتحدث عن الذوق الكلي الذي هو بمثابة معيار كوني موحد للجمال، كما ميز بين الجميل والممتع والجليل، واعتبر ان المتعة الجمالية تخضع للادراك العقلي بينما معرفة الجليل Sublime ترتكز على دور المخيلة. لذلك يفرق بين مشاهدة عمل فني مثل لوحة فنية وبين الوقوف أمام منظر الغروب على الشاطئ. او مشاهدة النجوم والفضاء الخارجي ليلا. فالحكم الجمالي ليس حكما عقليا ولا منطقيا خالصا، مادام يحضر فيه التخيل، فالحكم الجمالي يبنى على أساس الحس المشترك، وليس على أساس الذوق الخاص. ولهذا اعتبر كانط أن الحكم الجمالي حكم موضوعي. بينما ادراك الجليل ينتج عنه صراع بين الحكم المنطقي العقلاني وبين تدخل المخيلة imagination.

       إن انتقاد كانط للميتافزيقا لم يكن الهدف منه الغاء الاديان بل هو جعل الدين في حدود العقل، او انتاج تصور عقلاني للدين، لكن مفهوم الدين يختلف عن التصورات السائدة، إذ كان في القرن 18 الميلادي اي عصر الانوار تصور حول الدين الطبيعي. بحيث يجب تخليص التدين من الشعوذة ومن سلطة رجال الدين والتراتبية بين المتدينين وتجاوز كل وساطة بين الانسان والإله. كما ميز كانط بين الايمان الديني والمبادئ الاخلاقية، فاعتبر أن الاخلاق لا تقوم على الدين.

         لقد ظلت فلسفة أمانويل كانط النقدية مصدر الهام ونقد وتحليل ونقاش لكل الاجيال التي جاءت بعده، وكانت لحظة مهمة وفاصلة في الصراع المعرفي بين الاتجاه العقلاني والاتجاه التجريبي، كما قدمت اجابات حاسمة بخصوص الميتافزيقا ستعتبرها الفلسفات اللاحقة أساس بناء فلسفة علمية وضعية.
شاركه على جوجل بلس

الكاتب ziton

    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 comments:

إرسال تعليق