واقع المسلمين بين التخلف ونظرية المؤامرة

واقع المسلمين بين التخلف ونظرية المؤامرة

Betrayal_deception_conspiracy
تخلف-المسلمين-المؤامرة
         يعيش المسلمون واقع التخلف العلمي والاقتصادي لقرون عديدة، ومع ذلك لايعترفون بالاسباب الذاتية للتخلف، بل يلجأون الى نظرية المؤامرة. فتعد نظرية المؤامرة تبريرا لتخلف المسلمين، إذ يحاولون تبرير التخلف بأسباب خارجية تتحكم في واقعهم وتسير حياتهم، ويجعلون مايعيشونه بمثابة مسرح للعرائس تحركه أيادي خفية من خلف الستار. غير أن هذه الايادي الخفية غالبا ما يتم تحديدها في الغرب (بزعامة امريكا واوربا) ثم اليهود. والواقع أن مشكلة التخلف بدأ ادراكها منذ القرن التاسع عشر من طرف بعض المفكرين أمثال: جمال الدين الافغاني ومحمد رشيد رضا ورفاعة الطهطاوي، غير أن هؤلاء كان اغلبهم يعتبر أن الابتعاد عن الدين وتقليد الغرب هو سبب التخلف، ولذلك يرون ان المخرج من التخلف يكون بالتشبت بالاصول والسير على منهج السلف. ورغم أن نظرية المؤامرة لم تكن ظاهرة بشكل كبير في خطابهم كما هو حال المسلمين حاليا، إلا ان تحليلهم للواقع لم يقف عند الاسباب الحقيقية للتخلف، لذلك كانت الحلول التي قدموها غير مفيدة وغير قابلة للتطبيق، بسبب التغيرات والتطورات التي يعرفها العصر.

حقيقة نظرية المؤامرة وتاريخها:

نظرية_المؤامرة_مسرح_العرائس
حقيقة-نظرية-المؤامرة
         إن المتأمل للتاريخ الاسلامي يكتشف ان العصور السابقة كانت تعرف صراعات سياسية لعبت فيها المؤامرات دورا كبيرا في تغيير الاوضاع الداخلية والتحولات السياسية، وغالبا ما كانت الحيل والخدع السياسية تعتبر عاملا حاسما في تشكيل واقع الامة الاسلامية وطبيعة حكمها، ولاشك أن الجميع يتذكر مؤامرة معاوية بن ابي سفيان وخدعة التحكيم في الصراع حول السلطة ضد علي بن ابي طالب، والتاريخ يشهد على كثير من المؤامرات التي أدت الى اغتيال حكام وتغيير أنظمة حكم. لذلك لجأ خيال المسلمين المعاصرين الى استيراد فكرة المؤامرة من التاريخ الاسلامي واستخدامها في فهم الواقع الحالي. إننا لا ننفي بشكل قاطع تضارب المصالح بين الدول ومحاولة كل دولة استغلال نقط ضعف غيرها في تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، لكن مانعيبه هو ارجاع جميع الاسباب المشاكل الداخلية من تخلف وجهل وفشل اقتصادي وتعليمي الى الغير واعتبار ان واقعنا ناتج عن مؤامرة تحاك لنا في الخفاء. وننسى أننا (نحن) السبب الحقيقي في كل ما يقع لنا وما نعيشه من مشاكل. فحتى لو كان الغرب يتآمر ضدنا ونحن ندرك ذلك كما ندعي الان، فإن من الواجب علينا ان نعمل على ابطال مؤامراته، والتآمر ضده بالمثل، لا أن نكون لقمة سائغة وفريسة سهلة المنال، نطاوعه ونيسر له طرق تخريب أوطاننا.

           لكن في الحقيقة يبدو أن الحكام في العالم الاسلامي ليسوا سوى دمى تحركها القوى الغربية، وينتج عن تحالف الحكام في العالم الاسلامي مع الغرب مؤامرة حقيقية ضد الشعوب. فليس المشكل نابع من رغبة الدول الغربية في استعمار واستغلال دول اخرى، لأن هذا الامر واقعي يثبت الصراع الطبيعي الموجود بين الدول والحضارات، ويظهر جدية الحكومات الغربية ودفاعها المستميت عن مصالحها ومصالح شعوبها، بل إن المشكل منبثق من تخاذل الحكام العرب وخنوعهم وعبوديتهم وتبعيتهم للغرب. لذلك نقول إن أكبر مؤامرة يخضع لها المسلمون هي تآمر الحكام في الدول الاسلامية ضد الشعوب بتحالف مع الغرب. وتجليات هذه المؤامرة بارزة في تعطيل مسيرة التعلم والتنمية الاقتصادية وعرقلة كل تطوير للصناعة ومنع تحقيق الاستقلال الذاتي في الاقطار الاسلامية.


حل مشكلة التخلف:

العلم_الابداع_حل_مشكلة_التخلف
العلم-حل-مشكلة-التخلف
       إننا لا نهدف من مقالنا هذا الى اعادة تكرار نفس الحلول التي قدمها الاصوليون (الذين يرون ان حل مشكلة التخلف يتم من خلال التشبت بالاصول الدينية وتقليد السلف والسير على نهجهم) ولا المستغربون(الذين يعتبرون ان حل مشكلة التخلف يتم من خلال التنكر للهوية الاصلية وتقليد الغرب والتشبه به في كل مظاهر حياته)، لأننا نعتبر الطرفين معا وقعا في منزلق التقليد، وابتعدا عن الطريق الصحيح للخروج من متاهة التخلف التي دخلها العالم الاسلامي منذ قرون كثيرة ولم يتبع مسارا جيدا يخرجه منها، بل كل الدروب التي سلكها كانت موصدة. بل نود أن نوضح الحل الصحيح للخروج من التخلف، والمتمثل في سياسة تعليمية للشعوب تركز على المعارف العلمية وتربطها بواقع تطبيقي وصناعي، مع التخفيف من حدة المذاهب الاصولية المكبلة للتفكير، ومنع كل انواع الخرافة والشعوذة والوصاية على العقول في المجال العام. إن حرية الابداع والتفكير والابتكار والصنع هي العامل الاساسي الذي ينبغي على الدول الاسلامية ان تطبقه وتشجع عليه. ويجب ان تسخر كل الوسائل التعليمية والاعلامية في هذا المجال. ولا يتحقق هذا الامر الا بالمصالحة مع الذات والاعتراف بالعيوب المتضمنة في الثقافة الاصلية والعمل على تعديلها او التخلي عنها. فالمجتمعات تتقدم بعلمائها ومفكريها ومبدعيها، ويكفي ان تنظر الى أي دولة تعيش تقدما لترى المستوى العلمي والفكري والابداعي فيها، ويكفي ان تقوم بحساب عدد العلماء والمفكرين في كل دولة او عصر لتحكم على تقدمه او تخلفه.
شاركه على جوجل بلس

الكاتب ziton

    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 comments:

إرسال تعليق